الشمال نيوز من طنجة
رغم الدينامية الظاهرة في مجال احداث المقاولات بجهة طنجة تطوان الحسيمة، الا ان قراءة مفصلة للارقام الصادرة عن المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية تكشف عن هشاشة في التوازن المجالي، حيث تستأثر مدينة طنجة لوحدها بما يقارب ثلاثة ارباع المقاولات المحدثة خلال الفصل الاول من سنة 2025، تاركة بذلك هامشا محدودا لباقي اقاليم الجهة.
فحسب التقرير الفصلي للمكتب، تم احداث ما مجموعه 3867 مقاولة جديدة على صعيد الجهة ما بين يناير ومارس 2025، منها 2823 مقاولة في مدينة طنجة فقط، بنسبة 72.9 في المئة، متبوعة بتطوان (536 مقاولة)، ثم العرائش (147)، والقصر الكبير (114)، بينما لم تتجاوز المقاولات المحدثة في الحسيمة 11 وحدة، وفي شفشاون 52، ووزان 42، واصيلة 26، وتارجيست 15.
وتضع هذه الارقام، التي قد توحي في ظاهرها بحركية اقتصادية مشجعة، في عمقها تساؤلات حقيقية حول مدى استفادة مختلف تراب الجهة من هذه الدينامية.
ففي الوقت الذي تتجه فيه اغلب المبادرات الى المجال الحضري لطنجة، يعاني المجال القروي وشبه الحضري في باقي الاقاليم من محدودية فرص الاستثمار وصعوبة الولوج الى التمويل والمواكبة.
ويرى متابعون ان هيمنة طنجة تعكس تفاوتات بنيوية، اذ تستفيد عاصمة الجهة من تمركز جل البنيات التحتية واللوجستيكية الكبرى، وكذا من وفرة المناطق الصناعية والحضرية، الى جانب تمركز مكاتب الدراسات ومؤسسات الدعم والتمويل، وهو ما يجعل منها وجهة مفضلة لحاملي المشاريع.
في المقابل، تفتقر مناطق مثل وزان وشفشاون وتارجيست الى منظومات حاضنة متكاملة، كما يواجه شبابها صعوبات في بناء مشاريع ذات جدوى بسبب ضعف التأطير وغياب المواكبة المحلية، اضافة الى مشكل العزلة المجالية وندرة العقار المهيأ للاستثمار.
وتعكس تركيبة المقاولات المحدثة ايضا هذا الميل نحو الانشطة الحضرية، حيث يواصل القطاع التجاري تصدره للمشهد بنسبة 44.6 في المئة، متبوعا بالبناء والانشطة العقارية (15.95 في المئة)، والخدمات المتنوعة (15.93 في المئة)، في حين لم تتجاوز مساهمة الفلاحة والصيد البحري 0.66 في المئة، رغم الامكانيات الطبيعية التي تزخر بها الاقاليم الداخلية.
وتجدر الاشارة الى ان عددا من البرامج العمومية، من قبيل برامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمخططات الجهوية للتنمية، تسعى الى تحفيز الاستثمار ودعم ريادة الاعمال في المناطق ذات الجاذبية المحدودة.
غير ان سؤال الجدوى لا يزال مطروحا، اذ ان اثر هذه المبادرات على نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة يظل محدودا في عدد من اقاليم الجهة.
ويرتبط هذا القصور بمجموعة من العوامل، من بينها ضعف التنسيق بين الفاعلين الترابيين، وغلبة المقاربة التقنية والبنيوية على حساب التأطير القاعدي، وغياب منظومات حاضنة قريبة من الفاعل المحلي ترافقه من مرحلة الفكرة الى التثبيت، وهو ما يكرس نوعا من العزلة المؤسساتية حول المشاريع الناشئة خارج المراكز الكبرى.
ويحذر فاعلون من كون هذا التمركز المفرط في طنجة يعمق الفوارق الجهوية داخل نفس الجهة، ويكرس منظومة اقتصادية غير متوازنة، قد تفضي على المدى المتوسط الى ازمة توزيع للثروات وفرص التشغيل، لا سيما في ظل غياب رؤية شمولية تعيد الاعتبار للمجالات الترابية المهمشة.
ويؤكد مهتمون ان الدفع نحو تفعيل اكثر نجاعة للبرامج القائمة، وتعزيز اثرها الميداني في محيطها المجالي، اصبح رهانا ضروريا من اجل خلق توازن حقيقي داخل الجهة، يستند الى تكافؤ حقيقي في الفرص وتحفيز اليات الاندماج الاقتصادي المحلي.
كما يشدد باحثون في الاقتصاد المجالي على ان تحقيق العدالة المجالية في توزيع الاستثمار المقاولاتي لا يمكن ان يتحقق الا بتدخل قوي للسياسات العمومية، وتنسيق مباشر بين الفاعلين الجهويين والمحليين، بهدف تجاوز منطق المركز والهامش، وبناء نسيج اقتصادي جهوي متماسك.
وتجدر الاشارة الى ان جهة طنجة تطوان الحسيمة جاءت في المرتبة الثانية وطنيا من حيث عدد المقاولات المحدثة، بعد جهة الدار البيضاء سطات، متقدمة على جهات كبرى مثل الرباط سلا القنيطرة ومراكش اسفي. غير ان هذه المكانة لا يمكن فصلها عن التمركز الكثيف للمبادرات في طنجة، ما يدفع الى اعادة النظر في مؤشرات النمو الجهوي حتى لا تغطي المعدلات العامة على التفاوتات الترابية الصارخة.