الشمال نيوز من تطوان
على امتداد الساحل الشمالي للمملكة، حيث تفصل الجبال مياه المتوسط عن العمق القاري، يستعد شريط تامودا باي لاستقبال زواره كما يستعد الحكاؤون لرواية فصل جديد من الحكاية.
هناك، في المكان الذي يبدو دائما كما لو انه اكتشف للتو، ترتب الطبيعة تفاصيلها بحس فني خالص. زرقة صافية لا يخترقها الا انعكاس الجبال، وشواطئ تتسع للرغبة والحنين، وقرى صغيرة تكتنز هدوءا يشبه الصلاة.
من مرتيل حتى بليونش، على امتداد خمسة وثلاثين كيلومترا تقريبا، تنسج الارض مزيجا نادرا من العذوبة والعراقة، حيث تستقر قرية بليونش في حضن جبل موسى مثل سر محفوظ، لا يكشف بسهولة، ولا ينسى ان انكشف.
وفي كل صيف، تصبح هذه الرقعة من الشمال المغربي اكثر من مجرد وجهة بحرية. بل تتحول الى مسرح يتقاطع فيه الزمان بالمكان، حيث تتضاعف اعداد السكان وتفتح الابواب لعشاق البحر من كل صوب.
لا شيء يبدو عاديا هنا. التيارات هادئة كأنها تعرف طريقها جيدا، والرمال ذهبية كأنها لا تتأثر بمرور المواسم، اما البحر فيظل يروي بأسلوبه الخاص قصة استقرار ازلي بين الانسان والماء.
في المضيق وكابيلا وكابو نيغرو واسمير والريفيين وغيرها من الشواطئ الممتدة، لا يحتاج الزائر الى خارطة بل الى حواس يقظة تسمح له بتلقي الجمال دون مقاومة.
وبعيدا عن الصور الترويجية، يظهر العمل الميداني بصمت، لكنه محسوس. سلطات عمالة المضيق الفنيدق لا تكتفي بتزيين الواجهة، بل تبني موسما صيفيا يليق بالانتظارات المتزايدة. اجتماعات تعقد منذ بداية العام، لجان موضوعاتية تنشأ، قرارات تنظيمية تفعل، والكل يسير وفق خريطة دقيقة تهدف الى ضمان سير سلس للموسم. الانارة، تهيئة المساحات العامة، مراقبة المؤسسات السياحية، محاربة نواقل الامراض، وتنسيق الجهود الامنية… كلها عمليات تنجز في الخلفية لتبدو الواجهة كما ينبغي، نظيفة، آمنة، جاذبة.
لكن التجربة في تامودا باي لا تقاس فقط بعدد الزوار او درجة حرارة المياه، بل بما يتركه المكان في الداخل. هناك شيء يصعب الامساك به بالكلمات، لكنه حاضر في مشية المتنزهين على كورنيش مرتيل، في صمت المصطافين عند الغروب، في نظرة الزائر الاولى نحو الشاطئ حين يلمح البحر من بين الابنية البيضاء. انها لحظة تلامس بين ما هو محسوس وما هو غامض، بين الرغبة في الاكتشاف والحاجة الى السكون.
رئيس قسم الشؤون الاقتصادية بعمالة المضيق الفنيدق، في تصريحه، لا يقدم ارقاما فقط، بل يكشف عن توجه قائم على جعل السياحة فعل استدامة لا موسما عابرا.
فالهدف ليس فقط استقبال الزائر، بل اقناعه بالعودة، مرة تلو اخرى، بان يجعل من تامودا باي جزءا من طقوسه الصيفية، ومن ذاكرته العائلية، ومن دفاتر الطفولة ان كان قادما مع اطفاله. لذلك فالمراهنة ليست على البحر وحده، بل على الانسان الذي يصنع الفارق: العامل الموسمي الذي ينظف الشاطئ مع اول ضوء، رجل الامن الذي يراقب بحذر دون ان يقطع سكينة المصطاف، الشاب الذي يعرض كؤوس الشاي على الزائر في احدى الزوايا المظللة.
وفي موازاة كل ذلك، تتحرك القوارب واليخوت في الموانئ الترفيهية، ليست كتظاهرة نخبوية، بل كعلامة على ان البحر هنا للجميع، وان الفخامة ليست بالضرورة رفاهية باردة، بل احيانا تكون بساطة خالصة محروسة بالتنظيم.
وتجد الانشطة الثقافية والفنية والرياضية لها مكانا في الصيف، لتضيف على صوت الموج انغاما بشرية، ولتعطي للزائر احساسا بان المكان ينبض بما هو اكثر من طبيعة.
هكذا، في كل موسم، تستعيد المنطقة بريقها، لا لانها تلاحق الزمن، بل لانها تملك ما يكفي من الوعي لتعيد اكتشاف نفسها دون ان تفقد روحها. ومع انطلاق فصل جديد، تفتح تامودا باي ذراعيها لزوارها، كما لو انها تقول لهم: انا لست مجرد شاطئ… انا ذاكرة، تجربة، ومكان يكتب بالضوء.