الشمال نيوز من طنجة
يثير التفاوت اللافت في أسعار التذاكر بين الخطين البحريين الرابطين بين ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، من جهة، وسبتة المحتلة وطنجة المتوسط، من جهة أخرى، تساؤلات حول خلفيات اقتصادية وتنظيمية تتقاطع مع إشكاليات سيادية عالقة في مضيق جبل طارق.
ففي الوقت الذي لا تتجاوز فيه كلفة النقل بين الجزيرة الخضراء وسبتة عتبة الثلاثين يورو ذهابا وإيابا، تتضاعف التسعيرة على خط طنجة المتوسط لتصل في أحيان كثيرة إلى أكثر من سبعين يورو للشخص الواحد دون سيارة، ما يضع العابر المغربي أمام مفارقة فادحة بين معبر على تراب وطنه وآخر يخضع لاحتلال أجنبي.
وتُعامل الرحلات البحرية بين الجزيرة الخضراء وسبتة كخطوط داخلية إسبانية، ما يجعلها معفية من الرسوم الجمركية والتكاليف المرتبطة بعبور الحدود الدولية، خلافا لخط طنجة المتوسط الذي يُصنف كخط دولي يخضع لاتفاقيات ثنائية وإجراءات تفتيش صارمة.
ويُنظر إلى هذه الوضعية على أنها إحدى تجليات الامتياز التنظيمي والاقتصادي الذي تتمتع به مدينة سبتة المحتلة في ظل استمرار الاحتلال الإسباني، وسط صمت أوروبي وتواطؤ مصلحي ضمني.
وتقع سبتة فوق أرض مغربية في أقصى الشمال، وهي خاضعة لاحتلال إسباني منذ القرن السادس عشر، في ظل وضع قانوني ملتبس ترفض المملكة الاعتراف بشرعيته، باعتبار المدينة جزءا لا يتجزأ من ترابها الوطني.
وتتمسك المملكة المغربية بسيادتها الكاملة عليها، إلى جانب مليلية والجزر الجعفرية، باعتبارها أجزاء لا تتجزأ من التراب الوطني، وهو موقف تؤطره الدساتير المغربية المتعاقبة، وتعززه قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى تصفية الاستعمار بكل أشكاله.
وكان المغرب قد بادر سنة 2020 إلى تحيين ترسانته القانونية البحرية، حيث تم اعتماد القانونين 37.17 و38.17 المتعلقين بترسيم المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، ليشمل بوضوح المجالات البحرية المحاذية لسبتة ومليلية، وهو ما تم إيداعه لدى الأمم المتحدة وفق اتفاقية مونتيغو باي لقانون البحار.
ورغم أن إسبانيا تصر على اعتبار الخط البحري نحو سبتة شأنا داخليا، إلا أن الواقع الجغرافي والحقوقي يُبرز الطابع السيادي المغربي لهذا الامتداد.
فالمدينة ليست كيانا معزولا، بل تقع ضمن النسيج المجالي التابع لعمالة المضيق الفنيدق، وتجاورها بلدات مغربية مأهولة مثل بليونش والفنيدق وواد اللاو، ما يجعل استمرار الخطوط البحرية منخفضة التكلفة نحوها عاملا مشجعا على تكريس وضع استعماري واقع تحت غطاء اقتصادي.
وفي مقابل هذا الواقع، يجد المواطن المغربي نفسه أمام عبء مالي مضاعف حين يختار السفر عبر ميناء طنجة المتوسط، رغم كونه الميناء الرئيسي للمملكة على الواجهة المتوسطية، وهو ما يفتح النقاش مجددا حول ضرورة مراجعة سياسات الدعم البحري في ارتباطها بالسيادة والمصلحة الوطنية.
ولا يزال ملف الثغور المحتلة يشكل إحدى أولويات المغرب السيادية، وإن لم يتم التعبير عنها في خطاب رسمي مباشر خلال السنوات الأخيرة، غير أن عددا من المبادرات التشريعية والدبلوماسية، إلى جانب المواقف الشعبية والإعلامية، تبرز تمسكا ثابتا باسترجاع سبتة ومليلية وإنهاء كل مظاهر الاحتلال الأوروبي في شمال المملكة.