الشمال نيوز – خاص
بين زحمة المؤشرات الدولية وواقع الحياة اليومية، تواصل طنجة نسج تناقضاتها الدقيقة. مدينة توصف بكونها من بين الأرخص معيشة والأكثر استقرارا أمنيا، لكنها لا تزال تختبر يوميا تحديات تضغط على جيوب سكانها وتؤرق نمط عيشهم.
ورغم تموقعها في مصاف المدن المغربية ذات الكلفة المنخفضة، وفق تقارير وتصنيفات دولية، إلا أن الكثير من ساكنتها لا يترددون في التعبير عن استغرابهم من هذه التصنيفات، التي لا تتماشى في نظرهم مع واقعهم اليومي.
وتُجمع أغلب الآراء المتقاطعة بين أحياء طنجة القديمة والحديثة على أن مؤشر جودة العيش يتفاوت بشدة بين المناطق، بل أحيانا بين شارع وآخر، وهو ما يجعل من قراءة الأرقام عملية تحتاج دائما إلى عدسة ميدانية.
تصنيف منخفض… بوجهين
وحسب بيانات منصة “نومبيو” المتخصصة في تتبع مؤشرات جودة العيش، سجلت طنجة في منتصف سنة 2025 نقطة إجمالية بلغت 32.9 في مؤشر تكلفة المعيشة، مما يصنفها ضمن خانة المدن ذات الكلفة “المنخفضة جدا”.
وتُظهر التفاصيل أن متوسط النفقات الشهرية لفرد واحد دون احتساب الكراء يبلغ نحو 5280 درهما، في حين تُقدّر كلفة معيشة أسرة من أربعة أفراد بنحو 18350 درهما شهريا.
وتؤكد المقارنات أن هذه الأرقام تبقى أدنى من مثيلاتها في مدن كبرى كالدّار البيضاء، التي تتجاوز الكلفة فيها نظيرتها الطنجاوية بنسبة تقارب 12 في المئة.
لكن خلف هذه الأرقام، يظل الإحساس بضغط المعيشة قائما لدى شريحة من السكان، خاصة في ظل مصاريف السكن والخدمات الأساسية وتفاوت الأسعار بين الأحياء، ما يجعل من التصنيف العام مجرد جزء من صورة أكثر تعقيدا.
استقرار أمني نسبي
وفي الجانب الأمني، سجلت طنجة 55.5 نقطة في مؤشر السلامة، ما يضعها ضمن خانة المدن ذات الأمان “المتوسط”، لكنها تظل أفضل من الدار البيضاء والرباط، بحسب منصة “نومبيو”.
ويعكس هذا المؤشر نوعا من الثقة اليومية في محيط المدينة، خاصة في الفترات النهارية ومناطق الحركة التجارية والسياحية. كما يسجَّل حضور أمني في ساحات وسط المدينة ومداخل الشوارع الكبرى، فضلا عن محيط المدارس والمؤسسات العمومية.
ومع ذلك، تبقى بعض الأحياء الهامشية، خصوصا في الضواحي الشرقية، عرضة لمظاهر الجريمة البسيطة، مثل السرقة والتعنيف، وهو ما يساهم في تباين ملموس في الإحساس بالأمن.
مناخ مريح ونقل متدرج
في مؤشر المناخ، حققت طنجة 98.4 نقطة، وهو ما يصنفها ضمن المدن ذات المناخ “المريح جدا”، بفضل موقعها الجغرافي المطل على البحر وتوازن درجات الحرارة معظم أشهر السنة.
هذا المعطى جعل المدينة وجهة سياحية مفضلة للمغاربة والأجانب خلال فصل الصيف، ما ينعكس أيضا على انتعاش اقتصادي ظرفي في قطاعات مثل الإيواء والمطاعم.
أما في ما يتعلق بالنقل، فقد سجلت طنجة 46.5 نقطة في مؤشر الازدحام المروري، أي ضمن المدن ذات الضغط “المتوسط إلى المرتفع”.
ورغم هذا الرقم، فإن المشاريع الطرقية الجارية، بما فيها ممرات السيارات والحافلات، بدأت تخفف تدريجيا من الضغط، خاصة في المحاور المحاذية للوسط الحضري.
وفي المجمل، تعيش طنجة على وقع مفارقات رقمية وواقعية، بين مؤشرات تصنفها من المدن الأفضل وطنيا، وتحديات يومية تضع الأسر أمام خيارات معيشية صعبة.
وتستند المؤشرات العالمية بما فيها تلك الصادرة عن منصة نومبيو الى بيانات كمية تشمل متوسطات اسعار السلع والخدمات الاساسية ومستويات الايجار ومعدلات الجريمة بالاضافة الى معايير بيئية مثل جودة الهواء ونسبة الازدحام المروري وتعتمد هذه البيانات بشكل رئيسي على تقارير المستخدمين والاحصاءات الرسمية
غير ان هذه المؤشرات لا تاخذ بعين الاعتبار الفوارق في مستويات الدخل بين السكان ولا تعكس التفاوت في توزيع الخدمات والبنى التحتية عبر مختلف احياء المدينة كما انها لا تتناول بشكل مباشر تاثير التضخم وغلاء الكراء على القدرة الشرائية للاسر
وبالتالي رغم تصنيف طنجة بين المدن ذات الكلفة المنخفضة نسبيا والامان المتوسط حسب هذه المؤشرات تبقى التجربة المعيشية اليومية للسكان في بعض الاحياء تتسم بتفاوت ملحوظ خاصة في المناطق الطرفية والشعبية