هكذا يتغذى اقتصاد “السياحة الرمادية” على ندرة الإيواء المهيكل بشمال المغرب خلال الصيف

لا يمر صيف دون ان تنفجر منصات التواصل بعروض كراء شقق مفروشة على امتداد شمال المغرب. في مرتيل والمضيق والفنيدق، كما في الجبهة وامتار وتمرابط، تتكفل “السياحة الرمادية” بايواء الاف الاسر القادمة لقضاء العطلة، في ظل عجز الايواء المهيكل عن مواكبة الطلب المتزايد.

ويعتمد هذا الاقتصاد الموسمي، الذي لا يدخل ضمن الاحصاءات الرسمية، على كراء شقق ومنازل وغرف دون ترخيص، ويقوم على شبكة غير رسمية من السماسرة والوسطاء والسكان المحليين، الذين يعرضون خدماتهم بشكل علني عبر مواقع التواصل الاجتماعي او عند مداخل المدن والمحطات.

يقول مصطفى، وهو موظف من الدار البيضاء قدم رفقة عائلته الى مرتيل: “بحثت عن فندق، لكن الاسعار كانت خيالية او الغرف ممتلئة، لم اجد حلا سوى كراء شقة عبر فيسبوك، بثمن يمكن تحمله”، مضيفا ان “هذا النوع من الايواء صار هو القاعدة في فصل الصيف”.

وتعد جهة طنجة تطوان الحسيمة من اكثر المناطق التي تعرف ضغطا سياحيا في فصل الصيف، لكن بنيتها التحتية السياحية، وفق مهنيين، لا تواكب هذا الاقبال، مما يفتح المجال امام تنامي ظاهرة الايواء غير المهيكل.

ويشير فاعلون محليون الى ان الاف الاسر القروية في الجبهة وبني سعيد وتمرابط، على سبيل المثال، تعول على موسم الصيف كمصدر رئيسي للدخل، من خلال كراء غرف بسيطة داخل منازلها او عرض مظلات على الشاطئ مقابل مبلغ يومي، رغم غياب اي تاطير قانوني لانشطتها.

وتحاول السلطات احيانا مراقبة هذه الانشطة، خصوصا على مستوى استغلال الملك البحري او حالات الشكايات، لكنها تغض الطرف في الغالب، نظرا للطابع الاجتماعي والاقتصادي للظاهرة. “نحن نعيش من هذا الموسم، فلا فلاحة ولا فرص عمل حقيقية طيلة السنة”، تقول فاطمة، ربة بيت تقطن بجماعة ازلا، وتعرض غرفتين من منزلها للكراء خلال يوليوز وغشت.

في المقابل، يشتكي اصحاب الفنادق ودور الضيافة المرخصة من “منافسة غير متكافئة”، معتبرين ان “السياحة الرمادية” تحرمهم من الزبائن وتقلص مداخيلهم. ويؤكد احد المهنيين في تطوان ان “اغلب الوافدين لا يمرون من مؤسساتنا، ويختفون في شقق لا يعرف احد من يقطنها، ولا كيف تدار”.

وتطرح تساؤلات متكررة حول اسباب عدم تاطير هذا القطاع، رغم حجمه واتساعه. فرغم النقاشات التي عرفها البرلمان والمجالس المحلية في السنوات الاخيرة، لم يتم اعتماد اي الية عملية لتقنين الايواء الموسمي العائلي، او ادماج العروض غير المهيكلة ضمن منظومة مؤطرة تضمن شروط السلامة والشفافية.

وفي هذا السياق، اكدت وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور، في تصريح صحفي، ان الحكومة اطلقت خمسة قرارات تنظيمية جديدة، تشمل اعادة هيكلة نظام تصنيف مؤسسات الايواء السياحي، وربط منح “النجوم” بمراجعة دورية وزيارات ميدانية سرية تحاكي تجربة الزبون. كما اشارت الى توجه الوزارة نحو تقنين “الايواء البديل”، مثل “الاقامة لدى الساكنة” و”المخيمات المتنقلة”، بهدف توفير عرض قانوني يواكب تطور الطلب ويحافظ على الجودة.

ورغم ان الظاهرة تثير انتقادات على مستوى الجودة والرقابة، الا ان كثيرا من المتتبعين يرون ان “السياحة الرمادية” صارت تمثل بديلا اضطراريا في وجه ازمة العرض المهيكل، في انتظار اصلاحات اعمق تعيد التوازن بين الواقع والطلب.

لا توجد تعليقات