لم تحدث تصريحات رشيد الطالبي العلمي بشأن عدم استعداد حزب التجمع الوطني للأحرار للدفاع عن المتورطين في الفساد ارتباكا داخل التنظيم بجهة طنجة تطوان الحسيمة، بقدر ما طرحت سؤالا سياسيا مزدوجا حول مدى اتساق هذا الموقف مع واقع اختيار المرشحين، وطبيعة العلاقة بين القيادة الجهوية وقواعدها المنتخبة.
وجاء تصريح العلمي المسرب من أشغال اجتماع تنظيمي لحزبه بطنجة، بعد أيام من توقيف أحمد الزكاف، النائب الثالث لرئيس مقاطعة مغوغة، الذي يخضع لتحقيقات تتعلق بملف عقاري تعود أطواره إلى بداية الولاية الحالية.
ورغم أن المسطرة لا تزال في مرحلتها الأولى، إلا أن الإشارة السياسية حملت ما يكفي من الوضوح ليتلقاها المعنيون بصيغة الإنذار لا الدعم.
وداخل المجالس المنتخبة، لا تخفى حالة الارتباك. فبين من يفضل التزام الصمت تجنبا لأي حرج، ومن يرى في ما جرى بداية تصفية ناعمة لأسماء لم تعد تحظى بالرضا المركزي، تتصاعد مؤشرات التوتر دون أن تقترن بتوضيحات تنظيمية.
ويتحدث بعض المنتخبين المحليين، دون تسمية، عن مناخ من الترقب لا يخلو من رسائل مبطنة، تفهم أحيانا كدعوة إلى الانضباط، وأحيانا كتهيئة لإعادة ترتيب الأدوار.
وفي المقابل، يتفادى الخطاب الرسمي للحزب تقديم وقائع محددة أو تقييم معلن لأداء منتخبيه، مكتفيا بترويج عناوين عامة حول الإنجازات الحكومية والانخراط في دينامية الإصلاح.
ويعمق هذا التباين بين الخطاب السياسي والواقع المحلي فجوة داخلية بدأت تظهر ملامحها في عدد من الجماعات، خصوصا في ظل غياب آلية واضحة للتأطير والمواكبة بعد الانتخابات.
ويرى بعض المتابعين أن الموقف من الزكاف، الذي لم توجه إليه أي إدانة حتى الآن، يكرس ما يشبه القطيعة الاحترازية، حيث يفهم التخلي على أنه جزء من استراتيجية دفاعية تسعى إلى فصل المؤسسة الحزبية عن أي ارتدادات محتملة.
غير أن هذا النوع من المسافة لا يعكس بالضرورة رغبة في المراجعة، بل يثير تساؤلات حول درجة الالتزام السياسي تجاه المنتخب بمجرد ما يصبح محل مساءلة.
ولا يعد ملف الزكاف حالة معزولة. ففي مدينة المضيق، سبق أن أبعد أحد المرشحين البارزين للحزب، بعد تواتر شكاوى حول علاقته بملفات استغلال الملك البحري خلال موسم الاصطياف. ورغم غياب متابعة قضائية، لم يظهر اسمه مجددا في تركيبة المجالس أو المهام المحلية، دون توضيح رسمي من الحزب، مما فسر محليا كنوع من الإبعاد الصامت.
وفي تطوان، شهد فريق الحزب داخل المجلس الجماعي خلال سنة 2023 حالة احتقان داخلي، بعد تصاعد خلافات بين أعضاء محسوبين على قيادة الإقليم ومنتخبين آخرين تم تهميشهم، بحسب وصف مقربين منهم. حيث بقيت الخلافات في حدود التراشق الفيسبوكي، لكن غياب أي تدخل حزبي واضح زاد من تأويلات تفيد بوجود صراعات داخلية تدار بالصمت بدل الوساطة.
أما في جماعة واد لاو، فقد عاش مستشارو الحزب انقساما في بداية الولاية بشأن توزيع التفويضات، دون أن تتدخل الهياكل الإقليمية لإعادة ترتيب العلاقة بينهم، مما أدى إلى تراجع بعض الأعضاء عن المشاركة في القرارات اليومية.
ولا يخفى في أوساط قريبة من الحزب، وجود امتعاض من طريقة تدبير هذه المرحلة. فبعض الأصوات تتحدث عن افتقار للوضوح في التعامل مع الحالات الحساسة، وعن غياب آليات داخلية لمعالجة الملفات قبل أن تبلغ القضاء أو الإعلام.
ويخشى بعض المنتخبين أن يتحول هذا المنحى إلى سابقة، يقرأ فيها كل توجه قضائي على أنه مناسبة لإعادة الفرز، لا للتقييم.
كما يعاد فتح النقاش حول منطق التزكيات الذي أفرز تركيبة المجالس الحالية. فالحزب الذي تصدر نتائج الاستحقاقات الأخيرة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، منح سلطة التقرير في عدة مجالس كبرى، لكن دون أن يربط ذلك ببنية مواكبة قادرة على ضبط سلوك المنتخبين أو حماية الإطار التنظيمي من التآكل التدريجي.
ويبدو أن منطق الفوز الانتخابي لم يكن مقرونا بمراجعة معايير الترشيح، ما أفرز هشاشة داخلية يصعب تجاوزها في غياب مساءلة داخلية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة، ينظر إلى هذا النوع من الملفات كأحد المؤشرات المبكرة لما ستكون عليه طبيعة الصراع داخل التنظيم.
فبين الحرص على تحصين واجهته العمومية، والرغبة في تصفية الملفات المربكة دون ضجيج، يواجه الحزب تحديا مزدوجا: كيف يضمن الاستمرارية التنظيمية دون أن يظهر كمن يتنصل من مسؤولية بناء نُخَبه الترابية.
وفي غياب مواقف تنظيمية صريحة، تتعدد التأويلات وتكثر الحسابات. غير أن الثابت، بالنسبة لعدد من الفاعلين المحليين، هو أن الحزب بدأ يراجع تموقعه في الشمال بهدوء، دون إعلان مراجعة. وهي سمة كافية، في نظرهم، لتقرأ كإشارة سياسية باردة، ترسل إلى الداخل قبل الخارج.