هل يساهم نموذج “أكديطال” في إصلاح المنظومة الصحية أم في تحويل العلاج إلى سلعة؟

بينما تواصل مجموعة “أكديطال” شق طريقها بثبات نحو ريادة السوق الصحية الخاصة بالمغرب، تبدو ملامح مشهد مغاير ترتسم في خلفية الصورة: مشهد من القلق، التوجّس، والتساؤلات الكبرى حول ما إذا كانت هذه الاستثمارات الصحية الضخمة تخفي في طياتها مشروع احتكار مقنع يرتدي قفازات الاستثمار الاجتماعي، ويغلف نفسه بخطاب “الجودة والولوج العادل”.

فمنذ تأسيسها سنة 2011 على يد الطبيب رشدي طالب، لم تخفِ أكديطال طموحاتها في أن تصبح المرجع الأول للقطاع الخاس الصحي بالمغرب.

وقد نجحت المجموعة بالفعل في تحقيق قفزات نوعية، سواء على مستوى البنية التحتية، أو من خلال التوسع الجغرافي المتسارع الذي شمل مدناً كبرى كأكادير، فاس، سلا، طنجة، ومراكش.

وبات اسم “أكديطال” اليوم مرادفا لمصحات فاخرة، أجهزة متطورة، ومباني تستلهم تصميمات فنادق الخمس نجوم.

لكن، هل يكفي هذا البريق الخارجي لتبرير ما يعتبره البعض “تمركزا خطيرا للعرض الصحي الخاص في يد فاعل واحد”؟

وتقدّم المجموعة نفسها كرائد في تعزيز جودة الخدمات الطبية، وتفخر بإحداثها أكثر من 22 مؤسسة استشفائية متعددة التخصصات، مع هدف معلن ببلوغ 54 وحدة بحلول سنة 2026.

وتروج لنفسها كشريك في تنزيل النموذج التنموي الجديد، من خلال تقديم علاجات متقدمة، تقليص آجال الانتظار، وتخفيف العبء عن المستشفيات العمومية التي تعاني من ضعف الطاقة الاستيعابية ونقص الموارد البشرية.

ويكاد الخطاب الرسمي المرافق لاستثمارات المجموعة يوحي بأن “النجاة الصحية” للمواطن تمر من بوابة أكديطال.

لكن هذه السردية لا تقنع الجميع. فثمة من يرى أن ما يجري ليس سوى تكريس لمنطق السوق داخل قطاع يفترض فيه أن يكون أفقه إنسانيا واجتماعيا بالأساس.

فأسعار الخدمات داخل مصحات المجموعة لا تبدو في متناول الفئات المتوسطة، ناهيك عن الفقيرة أو غير المؤمّنة، ما يجعل الولوج إليها امتيازا طبقيا مقنعا تحت غطاء الجودة. وإن كانت أكديطال ترفع شعار “الصحة للجميع”، فإن الواقع يُظهر أن الخدمات المتميزة لا تُمنح إلا لمن يقدر على الدفع.

وتزداد حدة الانتقادات حين يتعلق الأمر بطرق اشتغال المجموعة وتوسعها داخل المجال الترابي.

هذه السردية لا تقنع الجميع. فثمة من يرى أن ما يجري ليس سوى تكريس لمنطق السوق داخل قطاع يفترض فيه أن يكون أفقه إنسانيا واجتماعيا بالأساس.

ففي طنجة، أثار حصول أكديطال على وعاء عقاري في قلب القرية الرياضية بمنطقة الزياتن موجة من الجدل، بعدما تبيّن أن العقار كان مخصصا أصلا لإنشاء مصحة رياضية موجهة لخدمة الرياضيين.

وقد اعتبر عدد من الفاعلين المحليين أن تحويل هذا المشروع من مرفق شبه عمومي إلى استثمار خاص هو بمثابة تفويت لملك جماعي لفائدة فاعل اقتصادي، خارج أي نقاش عمومي أو شفافية حول المساطر.

وبالرغم من صدور توضيحات من طرف المجموعة تتحدث عن شراكات مستقبلية مع الأندية والجامعات الرياضية، فإن هذا التوضيح لم يخفف من المخاوف بشأن الكيفية التي تمنح بها العقارات العمومية، والجهات المستفيدة منها.

وفي سياق متصل، لا تخفي هيئات مهنية قلقها من الانزلاق المتزايد للمجموعة نحو التسويق المكشوف، حيث بات اسم أكديطال حاضرا بقوة في الإعلانات، الإذاعات، المنصات الرقمية، وحتى شبكات التواصل الاجتماعي، في مخالفة واضحة للقانون المنظم لمزاولة مهنة الطب، الذي يمنع الإشهار للمؤسسات الطبية لما في ذلك من تأثير على أخلاقيات المهنة.

وتخشى هذه الهيئات من أن تتحول الخدمات الصحية إلى منتج تجاري خاضع لمنطق الترويج والربح، بدل أن تُعامل كحق أساسي يكفله الدستور.

ويتقاطع هذا الجدل أيضاً مع تساؤلات عميقة حول غياب رقابة فعالة على الأسعار، وانعدام مؤشرات علنية توضح مردودية هذه المصحات على الصحة العمومية.

يذهب بعض المحللين إلى التحذير من “أوليغارشية صحية” جديدة، تتخذ من شعار الخدمة الاجتماعية واجهة ناعمة لاحتكار صلب، لا يرحم من لا يملك القدرة الشرائية.

فهل تُساهم أكديطال فعلاً في خفض نسب الوفيات؟ هل تعزز مؤشرات التكفل المبكر؟ هل تدمج ضمن منظومتها حالات معوزة أو تتعاون مع القطاع العام بشكل متوازن؟

لا مؤشرات دقيقة تجيب عن هذه الأسئلة. وحدها الأرقام التجارية المعلنة في البورصة تروي جانبا واحدا من القصة: رقم معاملات مرتفع، هامش أرباح في تصاعد، وأسهم تتماسك بثقة.

وفي ظل هذا التوسع المطّرد، ترتفع المخاوف من تحوّل أكديطال إلى كيان مهيمن، يُضعف تنافسية باقي المصحات، ويعيد تشكيل خريطة العرض الصحي الخاص في المغرب على إيقاع أحادي.

ويذهب بعض المحللين إلى التحذير من “أوليغارشية صحية” جديدة، تتخذ من شعار الخدمة الاجتماعية واجهة ناعمة لاحتكار صلب، لا يرحم من لا يملك القدرة الشرائية.

ومما يعمق هذا الانطباع، غياب سياسة عمومية واضحة تواكب هذا النموذج الاستثماري بضمانات للعدالة الصحية.

فالدولة، في سعيها لفتح المجال أمام القطاع الخاص، تبدو عاجزة عن ضبط الإيقاع، وفرض شروط اجتماعية صارمة تضمن استفادة جميع المواطنين، لا فقط من يتوفر على تأمين أو تغطية صحية من الطراز الممتاز.

وفي الوقت الذي تستعد فيه أكديطال للعبور إلى السوق الخليجية، عبر مشاريع مستقبلية في الإمارات والسعودية، يبقى السؤال الأصعب معلقاً: ماذا عن المغرب؟ هل ما زالت السيادة الصحية ممكنة حين يصبح الفاعل الرئيسي في العلاج والمصحة والتجهيزات والموارد البشرية والترويج… هو فاعل واحد، يتغذى من السوق، ويُسهم في صياغة المعايير؟

وبين التهليل الإعلامي الذي يصوّر أكديطال كمشروع وطني رائد، والانتقادات التي ترى فيها نواة لاحتكار ناعم، تقف المنظومة الصحية المغربية أمام منعطف حساس.

فإما أن يُعاد النظر في أدوار القطاع الخاص ضمن رؤية تضمن التوازن والعدالة، وإما أن يترسخ منطق السوق، حيث يكون للمغاربة الحق في العلاج… فقط إذا استطاعوا دفع الفاتورة.

لا توجد تعليقات