“السياحة المفرطة” تضغط على مدن الشمال مع بداية عطلة صيفية لم تبلغ ذروتها

الشمال نيوز

لم تنتظر مدن شمال المغرب ذروة الموسم الصيفي لتدخل في نفق الاكتظاظ. من مرتيل الى المضيق، ومن اصيلة الى واد لاو، تفرض “السياحة المفرطة” ايقاعها باكرا، لتتحول عطلة لم تبدأ بعد الى اختبار جماعي لقدرة هذه المناطق على التحمل.

في مداخل المدن، تعيد طوابير السيارات المتوقفة مشهد الاختناق المروري الى الواجهة، فيما تتحول بعض الازقة والاحياء الى فضاءات لركن السيارات تتجاوز طاقتها التنظيمية، كما هو الشأن في مدينة المضيق التي تعتبر العاصمة الصيفية للشريط الساحلي “تمودا باي”.

وعلى الشواطئ، ورغم تحريرها من مظاهر الاحتلال العشوائي، لا تترك الكراسي والمظلات المثبتة منذ ساعات الصباح الاولى سوى هامش ضيق امام الاسر القادمة من مدن الداخل بحثا عن قليل من الانتعاش.

ولا يقتصر الضغط على الفضاءات العامة، بل يمتد الى الاسواق وسلاسل التوزيع. الخضر والخبز والوجبات السريعة تشهد ارتفاعا مفاجئا في الاسعار، بينما تسجل تأخّرات متكررة في التزويد، خاصة خلال عطلة نهاية الاسبوع. في مرتيل والفنيدق، بدأت شكاوى الانقطاعات المائية تتصاعد، وسط صمت اداري لا يواكب ارتفاع الطلب على الماء كمورد حيوي.

في موازاة ذلك، يعود مشهد “الايواء غير النظامي” للواجهة، حيث تنتشر عروض كراء عشوائي في كراجات وساحات سفلية تفتقر الى ادنى شروط السكن، مقابل مبالغ قد تصل الى اربعمئة درهم لليلة.

وعلى صفحات التواصل، تتداول صور لاسر تفترش الحدائق او تلجأ الى حلول مؤقتة بعد تعذر ايجاد اقامة مناسبة، بينما تروج عروض “غير قانونية” على تطبيقات الهاتف في مجموعات مغلقة.

هذه المظاهر، وان كانت مألوفة في المواسم الماضية، الا ان توقيتها المبكر هذا العام واتساع نطاقها الجغرافي يشيران الى تحول نوعي في نمط الاقبال، يقترب من عتبة “الضغط الهيكلي” الذي يفوق امكانيات الاستيعاب الترابي واللوجستي. وهي مؤشرات تدق ناقوس الخطر حول مستقبل جاذبية هذه المدن، خصوصا في غياب سياسات استباقية ومندمجة.

وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور، اكدت في تصريح صحفي ان الحكومة اطلقت خمس قرارات تنظيمية جديدة تشمل اعادة هيكلة نظام تصنيف مؤسسات الايواء السياحي، وربط منح “النجوم” بمراجعة دورية وزيارات ميدانية سرية تحاكي تجربة الزبون.

كما اشارت عمور الى توجه الوزارة نحو تقنين “الايواء البديل”، كـ”الاقامة لدى الساكنة” و”المخيمات المتنقلة”، بهدف توفير عرض قانوني يواكب تطور الطلب ويحافظ على الجودة.

غير ان هذه الاجراءات، التي تبقى مركزية في طبيعتها، لم تنعكس بعد على واقع المدن الشاطئية، حيث يبدو التنسيق المحلي غائبا او محدود الاثر. فالجماعات الترابية، في معظمها، تتعاطى مع الموسم بمنطق موسمي تقليدي، يختزل التدبير في حملات لتحرير الملك العام او مراقبة الاسعار، دون رؤية شمولية تدمج رهانات “الامن الترابي”، و”النظافة”، و”تدبير الموارد”، و”تجويد تجربة الزائر والمقيم”.

وتحذر اصوات محلية من ان استمرار هذا النسق، دون اصلاح عميق في النموذج التدبيري، قد يدفع ببعض المدن الى فقدان جاذبيتها تدريجيا، او التحول الى نماذج استهلاكية “غير مستدامة”، تنهك بنياتها وتضعف ثقة الزوار والمستثمرين على السواء.

ومع تواصل توافد الاسر المغربية على سواحل الشمال بحثا عن متنفس صيفي، يزداد طرح سؤال الاستدامة الحضرية الحاحا: هل ما نعيشه صيف استثنائي بمؤشراته الظرفية، ام اننا امام بداية مرحلة جديدة تتطلب اعادة تعريف العلاقة بين “السياحة”، و”المدينة”، و”المواطن”، و”البيئة”؟

لا توجد تعليقات