شواطئ شفشاون .. شريط ساحلي طبيعي خلاب لم يسطع عليه وهج التنمية

الشمال نيوز من شفشاون

على امتداد 67 كيلومترا من البحر والجرف، يخط اقليم شفشاون واجهته الشمالية في صمت، بعيدا عن ضجيج المنتجعات المصنفة والمسابح الفاخرة. انه شريط ساحلي غير مروّج، لكنه آسِر، تأسر تضاريسه الفطرية كل من اقترب، ويهمس بمزيج نادر من الزرقة والهيبة، حيث تلامس الجبال مياه المتوسط بشموخ بكر.

من مصب واد لو الى سيدي فتوح، يتعرج الساحل بين اجراف شاهقة ومصبات انهار صخرية، تتخللها شواطئ طبيعية خلابة مثل قاع اسراس، تارغة، امتار، اورينكا، وسيدي يحيى اعراب. لا وجود للمجموعات السياحية المنظمة، ولا للزحف العمراني. فقط سكان محليون، ومصطافون يعرفون الطريق، وبعض العابرين بدافع الفضول.

في هذه السواحل، يبدو البحر اقرب الى الحالة التأملية منه الى الاستهلاك الترفيهي. شواطئ مثل قاع اسراس وتارغة تتنفس منحدرات تزكان، بينما يشكل شاطئ امتار منفذا حقيقيا لجماعة تحمل اسمه، يحتضن زوارا اعتادوا السباحة في الصمت، وتناول الفطور تحت ظلال الصخر.

في اقصى الشريط الشرقي، تبرز تكوينات صخرية مدهشة مثل “الحواض” بجماعة متيوة، حيث تنحت مياه البحر تجاويفها في الجرف، وتخلق مسابح طبيعية لا تحتاج الا الى عين نظيفة وخطوة واثقة.

حين يحتضن الجرف البحر

سواحل شفشاون لا تقدم الرفاه الاصطناعي، بل تقترح تجربة اولى، حيث الجبل ينزل الى البحر دون استئذان. الجرف هنا ليس عائقا، بل هوية جيولوجية وسياحية، تمنح للمكان ملامحه الفريدة. في امتار، اورينكا، وسيدي يحيى اعراب، لا مجال للتسطح الرملي المألوف، بل للحصى، الصخور، والمياه العميقة من المتر الاول.

اغلب هذه الشواطئ غير مصنفة رسميا ضمن لائحة الشواطئ الوطنية، لكنها تستقبل صيفا الاف الزوار من داخل الاقليم وخارجه، يأتون من تطوان، وزان، تاونات، واصيلة، بحثا عن عطلة محافظة وبعيدة عن الابتذال. ورغم غياب المرافق الكبرى، تعتمد الساكنة على حلول بسيطة: كراء مظلات، بيع وجبات محلية، تأمين وسائل نقل صغيرة، واعداد مواقف مؤقتة في جنبات الطريق.

لكن هذه المبادرات تواجه حاليا إجراءات إدارية مشددة، حيث شرعت السلطات خلال الأسابيع الأولى من صيف 2025 في منع استعمال الملك البحري العشوائي بعدد من النقط، مما أدى إلى إزالة مظلات تقليدية ومرافق مؤقتة، كانت تمثل مورد رزق موسمي لعشرات الأسر.

ورغم الحزم الاداري، تبقى هذه الشواطئ محمية طبيعيا، باعتبارها جزءا من المجال الحيوي المصنف ضمن “المحمية المتوسطية العابرة للقارات”، التي تفرض قيودا صارمة على التدخلات العمرانية، وتحمي التوازن الايكولوجي، لكنها لا تواكب بعد ببرامج تنشيط سياحي تحترم خصوصية المكان.

طريق تمر ولا تتوقف

تمر الطريق الوطنية رقم 16، المعروفة بالطريق الساحلي المتوسطي، بمحاذاة هذا الجمال الصامت، لكنها تمر كغريب لا يلقي السلام. فهي تصل تطوان بالحسيمة، وتعبر جماعات ترابية مثل واد لو، تزكان، امتار، متيوة، وبوحمد، لكنها تفتقر الى ابسط مقومات التوقف، لا علامات تشوير، لا لوحات ارشادية، ولا ممرات آمنة تنزل الى البحر.

والاسوأ، ان المقطع الطرقي قرب جماعة بوحمد، تحديدا عند مركز شماعلة، يعرف تدهورا بنيويا واضحا، حيث تعاني جنبات الطريق من انجرافات خطيرة، وانعدام الحواجز الواقية في منعرجات ضيقة، مما يهدد سلامة مستعملي الطريق، خصوصا في فترات الضباب او التساقطات.

وما كان يفترض انه “شريان ساحلي” يعزز التنمية، تحول في اجزاء منه الى نقطة عزلة، تفصل الشواطئ عن بعضها، وتفوت فرصا اقتصادية على الدواوير الساحلية، التي تنتظر منذ سنوات خلق ممرات فرعية، محطات توقف، او منصات مشاهدة، تسمح باستثمار مقوماتها في اطار متوازن.

سياحة لا تحتاج الى اسمنت

من واد لو الى سيدي فتوح، لا تحتاج سواحل شفشاون الى منتجعات اسمنتية، بل الى رؤية ذكية تروج للمكان دون ان تفسده. تجربة قائمة على السياحة البيئية، ومسارات المشي، والنقل المحلي المنظم، وتشجيع الضيافة القروية، لا تحويل الجرف الى اسوار خرسانية.

الحياة اليومية في هذه القرى لا تزال تحتفظ بإيقاعها القديم. نساء ينقلن الماء من العيون الجبلية، صيادون يرممون شباكهم بايديهم، اطفال يقفزون من الصخور نحو المجهول، وليل هادئ لا تسمعه الا موجة تتكسر او نباح كلب من بعيد.

هذه السواحل افقر من غيرها على مستوى البنيات، لكنها اغنى من حيث القيمة، والامكانية، والمشهد. انها وجهة لم تُروّج كما يجب، لكنها باقية في الذاكرة الجماعية للمصطافين الاوائل، وفي قلوب العائلات التي وجدت فيها راحة بلا تكلّف.

قد لا تُرى في الاعلانات، وقد لا تذكرها وكالات السفر، لكنها هناك، حيث يلامس الجبل البحر، ويكتب الجمال بصمت، ويروى التاريخ بلا صوت.

لا توجد تعليقات