سلطات طنجة تفتح جبهة ضد “مشاريع الضغط” وتعلن نهاية زمن التهيئة على المقاس

الشمال نيوز من طنجة

تلوح في الافق بوادر تغيير عميق في طريقة تدبير مجال التعمير بمدينة طنجة، بعدما رفعت السلطات المحلية من منسوب الحزم في وجه ما يعرف داخل الاوساط المهنية بـ”مشاريع الضغط”، التي شكلت لسنوات الية غير معلنة لتحريف التوجهات المجالية واستنزاف الهوامش القانونية لصالح مصالح خاصة.

خلال اشغال المجلس الاداري للوكالة الحضرية، لم يتردد والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، يونس التازي، في الاشارة الى وجود محاولات متكررة لفرض تصنيفات عقارية او تمرير مشاريع تحت غطاء الاستثمار، معتبرا ان هذه الممارسات لن تجد لها موطئ قدم في السياق الحالي، وان الادارة ملتزمة بمنطق الشفافية والمساطر الواضحة، لا بمنطق الضغط والتأثير.

ولم يكن حديث التازي معزولا، بل جاء في لحظة مشحونة، تتزامن مع احتدام النقاش حول النسخة النهائية لتصميم التهيئة، وعودة بعض جيوب الضغط الى استغلال تأخر المصادقة لطرح بدائل مجزأة تخدم مصالحها، عبر شبكات الضغط داخل بعض المؤسسات المنتخبة والمهنية.

وتبرز منطقة السانية، الواقعة بمحاذاة محطة القطار، كنموذج صارخ لهذا التوتر، بعدما تم تجميد مشاريع عقارية كبرى وسط شكوك حول محاولات تغيير تصنيفها دون المرور عبر القنوات المؤسسية.

ويعتبر فاعلون ان ما يقع في السانية ليس استثناء، بل امتدادا لمنطق قديم ظل يعامل وثائق التهيئة كاوراق تفاوضية، لا كادوات تخطيط ملزمة.

ويرى متابعون أن موقف الولاية يمثل تحولا لافتا في ميزان القوة داخل المنظومة التعميرية، ويمنح اشارة قوية لقطيعة محتملة مع اساليب التهيئة القائمة على المقايضة والتعديل حسب الطلب، مما يضع الفاعلين العقاريين امام اختبار الالتزام بالمساطر لا بالعلاقات.

ورغم ان بعض المهنيين عبّروا عن تخوفهم من ان تؤدي هذه المقاربة الصارمة الى تعطيل الاستثمار، الا ان جهات اخرى داخل القطاع ترى فيها فرصة لاعادة الاعتبار للتخطيط الحضري كاداة للتوازن وليس كالية للترضية، في افق تحرير وثائق التهيئة من قبضة وحوش العقار.

واذا كانت عبارة “بروجي لعمره ما هيدوز” التي استعملها والي الجهة قد بدت للوهلة الاولى مجرد موقف حازم في اجتماع رسمي، فان خلفياتها تنكشف تدريجيا مع تزايد المعطيات حول نوعية المشاريع التي تحاول الالتفاف على التصميم الجديد، مستفيدة من فراغات مؤقتة او تحالفات موضعية داخل بعض المؤسسات.

واكدت مصادر من داخل الوكالة الحضرية وجود عشرات الطلبات التي تتضمن تغييرات جوهرية في طبيعة الاستعمالات الاصلية للاراضي، خاصة في المناطق التي تحظى باهتمام المستثمرين الكبار، مثل محيط البحر وواجهات الطرق الرئيسية، حيث تتكرر محاولات تحويل الاراضي الفلاحية او السكنية المحدودة الكثافة الى مشاريع تجارية وسياحية ضخمة.

وغالبا ما تعتمد هذه المحاولات، التي وصفتها بعض الاطراف بالهندسة الموازية للتعمير، على مقترحات تعديلات ظرفية يتم تمريرها باسم تشجيع الاستثمار او الاستجابة لحاجيات خاصة، لكنها في الواقع تفتح المجال امام تضخم غير متحكم فيه، يهدد التوازن البيئي والاجتماعي، ويكرس تفاوتات مجالية عميقة داخل المدينة.

ولا تكتفي مقاربة السلطات في طنجة، كما من خلال تصريحات والي الجهة، برفض المشاريع المشبوهة، بل تسعى ايضا الى اعادة ضبط العلاقة بين الادارة والمستثمرين، على قاعدة احترام الوثائق المرجعية وتوحيد المعايير، بما يسمح باعادة بناء الثقة في مسلسل التهيئة ككل.

ففي الوقت الذي يتم فيه الدفع باخراج تصميم التهيئة الجديد، تسعى الولاية الى تحصينه ضد اختراقات الماضي، من خلال تعزيز التنسيق بين الوكالة الحضرية والجماعة الترابية ومصالح الدولة الاخرى، مع مراجعة شاملة لطرق تقييم الطلبات العقارية، حتى لا تتحول هذه المرحلة الانتقالية الى ورقة بيد اصحاب النفوذ.

ويرى عدد من الفاعلين في المجال ان طنجة امام لحظة حاسمة، لا تقبل انصاف الحلول، فاما ان يتم الالتزام الصارم بقواعد التعمير من اجل ضمان نمو منصف ومتوازن، واما العودة الى الفوضى المقننة التي مكنت فئة محدودة من مراكمة الامتيازات على حساب الساكنة والمجال.

وفي الانتظار، يبقى مصير بعض المشاريع الكبرى معلقا، في انتظار ان تحسم السلطة في مصداقيتها، لا فقط كمراقب، بل كضامن لعدالة تعميرية تنتظرها طنجة منذ عقود.

لا توجد تعليقات