الشمال نيوز من طنجة
لم يكن تورط نائب عمدة مدينة طنجة، عبد النبي مورو، في تمكين شخص من خارج الجماعة من استعمال سيارة مصلحة سوى وجه آخر لظاهرة أوسع، تستمر في الظهور رغم التوجيهات الرسمية والمذكرات المتكررة الصادرة عن السلطات الوصية.
وتشير وثيقة إدارية إلى أن السيارة الجماعية المعنية، التي وضعت رهن إشارة المسؤول الجماعي بموجب قرار إداري، كانت في وضعية غير قانونية ساعة الحادث، حيث استعملت خارج الإطار الإداري المعتاد، من طرف شخص لا يحمل أي صفة مؤسسية معروفة.
وأعادت الواقعة التي سجلت بمدينة طنجة إلى الواجهة سؤال العلاقة المتوترة بين الوسائل الموضوعة رهن إشارة المنتخبين، وبين الضوابط التي يفترض أن تواكب هذا النوع من التخصيص، خاصة حين يتعلق الأمر بسيارات تمول من المال العام.
وخلال السنوات الأخيرة، تحول استعمال سيارات الدولة والجماعات الترابية إلى ملف يثير انشغالا واسعا، سواء في وسائل الإعلام أو لدى المواطن، الذي كثيرا ما يصادف مركبات رسمية خارج نطاق الخدمة.
وتبرز هذه الممارسات بشكل خاص خلال فصل الصيف، حيث تكثر التنقلات غير الرسمية، وتظهر سيارات عمومية في فضاءات ترفيهية أو محاذية للشواطئ، في مدن تعرف عادة ضغطا موسميا كبيرا مثل المضيق ومرتيل وأصيلة.
ورغم أن وزارة الداخلية دعت في أكثر من مناسبة إلى تقنين الاستعمال وربطه حصرا بمهام محددة مؤطرة بأوامر موقعة، إلا أن مفعول هذه التعليمات يظل محدودا من حيث التتبع والمراقبة الميدانية.
وداخل عدد من المجالس المنتخبة، يلاحظ استمرار هوامش واسعة من التساهل، تفضي أحيانا إلى تفويت استعمال السيارة لأشخاص من خارج الإدارة، إما بدافع المجاملة أو بسبب ضعف الثقافة القانونية للمسؤول.
وتقدر أعداد السيارات التابعة للجماعات الترابية بأزيد من 40 ألف مركبة، ضمن حظيرة وطنية تتجاوز 150 ألفا، وتشكل عبئا ماليا سنويا من حيث الصيانة والتأمين والوقود، دون احتساب الكلفة غير المباشرة لسوء التدبير.
وفي المقابل، تظل آليات المراقبة الداخلية في عدد من الجماعات محدودة الفعالية، خاصة حين لا يكون هناك نظام رقمي لتتبع حركة السيارات أو سجل مضبوط للمهام المنجزة فعليا.
ويرى متابعون أن حالات من هذا النوع لا تمثل فقط خللا إداريا، بل تعكس نمطا من التدبير الموروث، حيث تغيب الحدود الفاصلة بين الصفة الشخصية والمسؤولية العمومية، ويختلط الفهم بين الخدمة والتفضيل.
على المستوى المجتمعي، تثير هذه الصور المتكررة لمركبات الدولة في أماكن غير معتادة تساؤلات أخلاقية أيضا، تتعلق بثقة المواطن في نزاهة من يدبر الشأن العام، وقدرته على تمثيل مؤسسة تحترم المال العام.
كما يطالب فاعلون مدنيون بتفعيل أدوات الزجر الإداري، وفتح قنوات تبليغ محلية، وتشجيع المواطنين على رصد أي شبهة استغلال غير قانوني لممتلكات الدولة، في إطار مقاربة تشاركية لمراقبة حسن استعمال الموارد العمومية.
وفي غياب سياسة وطنية موحدة تلزم الجماعات بوضع تقارير دورية حول تدبير حظيرة السيارات، يبقى الملف مفتوحا على نفس الأسئلة القديمة: من يستعمل؟ لأي غرض؟ وبأي ضوابط؟ ومن يحاسب عند الخطأ؟
وبين المطالب بتعزيز الشفافية، والدعوات المتكررة للترشيد، يتبين أن ملف سيارات الدولة لم يعد مجرد تفصيل لوجستي في عمل المؤسسات، بل مؤشرا دالا على مدى احترام قواعد الحكامة داخل الفضاء العمومي.