عند أول انعطافة… خرجوا من الظل بسكاكينهم

في مدن تعيش على اعصابها، تكفي حادثة سير خفيفة كي تتحول الى مانيفستو سياسي. لا لان الحادث جلل، بل لان بعض الخصوم اضاعوا البوصلة الى درجة انهم صاروا يتغذون على النشرات الرمادية، وينتظرون عطسة مسؤول ليركبوا موجة التحليل والتنظير، في غياب اي مشروع غير القنص والتشويش.

حادثة سير بسيطة تعرض لها عمدة المدينة، لم تسجل فيها اي اصابات تذكر، ولم تتطلب سوى المعاينة والاجراءات المعتادة. غير ان بعض الابواق، التي لا تضيع فرصة للعزف على اوتار الاثارة، سارعت الى النفخ في الحادث وكأنه انهيار مؤسساتي، بل وذهبت حد المطالبة بما يشبه المحاكمة الاخلاقية في قاعات افتراضية لا تفرق بين الواقعة والعقيدة.

ولانهم بلا رصيد سياسي حقيقي، فانهم يعوضون الفراغ بالضجيج، ويبحثون في الزوايا الهامشية عما يمكن تحويله الى “فضيحة”، حتى لو تعلق الامر بمخالفة مرورية.

لكن ما لم يهضم بعد، هو ان هذه الشهية المنفلتة نحو الاصطياد لم تعد تكتفي بتدوينات فيسبوكية او مقالات مستنسخة من ادراج حزبية، بل باتت تجد ضالتها في منابر تصدر من اراض تحت الاحتلال، كأن “الولاء المهني” صار يمر عبر سبتة المحتلة… ومن هناك، يوزع صكوك الوطنية بسعر الجملة.

قبل اسابيع فقط، تسلل واحد من هؤلاء الى صحيفة الكترونية اسبانية تصدر من المدينة المحتلة، وسرب معطيات عن نقاش داخلي يخص سوق سيدي احساين. فعلها في غفلة من المهنية، وبتواطؤ صامت مع حسابات لا ترى في طنجة سوى فريسة اعلامية يمكن تشويهها كلما اشتد السباق نحو 2030.

والمفارقة ان المعني يوصف بـ”المخضرم”، في حين ان ممارسته تقترب من سلوك المتدربين الطائشين، لولا انها مقصودة ومدفوعة باجندات مفضوحة.

من هناك بدأت الحكاية: تصفية حسابات من ثغور محتلة، واستقواء بمنابر اجنبية لخلق فقاعات اعلامية لا تعكس سوى مستوى الانحدار في ثقافة الصراع داخل المدينة. أما ما تبقى من النقاش، فليس سوى ملهاة حزينة… بطعم الخيانة الناعمة.

ثم يأتي من يحدثك عن “المساءلة” و”الشفافية”، بينما هو اول من يحول الحوادث الطارئة الى مواد للتشويه، لا بهدف الاصلاح، بل فقط لاشباع نزعة مرضية نحو اسقاط الاخرين من فوق مقاعدهم، ولو بمساعدة مقالات تصدر من خارج التراب الوطني.

واذا كانت طنجة تستعد لمعركة دولية في مونديال 2030، فالاحرى ببعض ابنائها ان يعيدوا ترتيب اولوياتهم. فليس من الوطنية ان نرتدي قناع الصحافة بينما نمارس تقويض صورة المدينة من تحت الطاولة… او من وراء البحر.

لا توجد تعليقات