الشمال نيوز من طنجة
كاميرات ذكية ترصد الحركة في الشوارع، اشارات مرور تتفاعل تلقائيا مع كثافة السير، ومشاريع رقمية تتكامل مع بنية تحتية متجددة… هكذا تبدو بعض ملامح التحول الذي تعرفه مدينة طنجة، وهي تخطو خطوات حثيثة نحو نموذج المدينة الذكية، مستندة الى مشاريع متعددة القطاعات، بعضها دخل حيز التنفيذ، واخرى ما تزال قيد الانجاز او التخطيط.
في قلب هذا المسار، يبرز مشروع المراقبة الحضرية الذي انطلق منذ 2023، ويشمل تثبيت ازيد من 500 كاميرا مراقبة عالية الدقة موزعة على 111 نقطة حساسة، من بينها المحاور الطرقية الكبرى، المداخل الرئيسية، محيط المؤسسات الحيوية، والاسواق. يرتبط هذا النظام، عبر شبكة الياف بصرية بطول 20 كيلومترا، بمركز تحكم جهوي حديث يمكن من تتبع الحركة الحضرية والتدخل في الوقت الفعلي عند وقوع الحوادث او الاختلالات الامنية.
وتكمن خصوصية المشروع في دمج بعد السلامة الطرقية من خلال نظام اشارات ضوئية ذكي يعدل توقيت المرور تلقائيا استنادا الى كثافة المركبات في كل اتجاه. كما تتيح المنصة المركزية امكانية تسجيل المخالفات المرورية ومراقبة التنقلات المشبوهة، في خطوة تقرب طنجة من معايير المدن الامنة والمتصلة رقميا.
من جهة اخرى، تشهد المدينة دينامية تكنولوجية موازية من خلال مشروع “مدينة محمد السادس – طنجة تيك”، الذي يرتقب ان يحتضن قطبا صناعيا تكنولوجيا عالي المستوى على مساحة تناهز 2000 هكتار. وتقوم فكرة المشروع على احداث مجالات انتاج ومعيشة مؤتمتة وموصولة رقميا، بشراكة بين فاعلين مغاربة وصينيين، بهدف استقطاب استثمارات عالية الكثافة في قطاعات الرقمنة، الميكاترونيك، واللوجستيك الذكي.
ولا تقتصر المؤهلات التقنية لطنجة على هذه الاوراش الكبرى فقط، اذ يجري ايضا تنفيذ مشروع لتوسعة وتحديث مطار “ابن بطوطة” يشمل تهيئة مداخل جديدة، تجهيزات ذكية للمراقبة والولوج، وتوسعة مرافق الاستقبال لتواكب المعايير الدولية في مجال السفر الذكي. كما تندرج هذه الاشغال ضمن رؤية اشمل لتحسين ربط المدينة بباقي جهات المملكة والعالم، خاصة في افق احتضان المملكة لمونديال 2030.
وفي اطار جهود التاهيل الحضري، يشهد كورنيش المدينة بدوره عملية تجديد واسعة النطاق تشمل تجهيزات للانارة الذكية، وتحديث الممرات والمساحات الخضراء، في اطار مشروع رصد له غلاف مالي يناهز 35.5 مليون درهم، يهدف الى تعزيز جاذبية الواجهة البحرية وتيسير استعمالها من طرف السكان والزوار، خاصة في الفترات الليلية.
وفي السياق البيئي، تراهن طنجة على مشاريع الطاقة المتجددة والنقل المستدام، من خلال محطات شحن السيارات الكهربائية، واعادة هيكلة الانارة العمومية باعتماد مصابيح LED موفرة للطاقة. وقد تم بالفعل استبدال حوالي 25 بالمئة من شبكة المصابيح التقليدية، مع اطلاق اليات لتدبير الاستهلاك الطاقي عن بعد.
كما تندرج منطقة “طنجة المتوسط” الصناعية واللوجستيكية، بما تحتضنه من نظم معلوماتية متقدمة، ضمن نموذج المدن المتكاملة التي تعتمد على المعطيات الضخمة لتدبير الحركية، الصادرات، والخدمات المرتبطة بالموانئ والربط السككي.
ويعكس هذا التنوع في المشاريع رغبة متنامية في تجاوز الطابع الكلاسيكي لتدبير المدينة، نحو نموذج يقوم على الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا لتحسين جودة العيش والخدمات. غير ان هذا التحول يطرح ايضا تحديات متعلقة بالعدالة المجالية، وضمان الولوج الرقمي لجميع السكان، وصيانة البيانات الشخصية في ظل انظمة المراقبة الذكية.
وتظهر بعض التقارير المحلية ان التحول نحو مدينة ذكية لا يقتصر على التكنولوجيا، بل يتطلب ايضا تحديثا في مناهج التخطيط، وتبسيطا للمساطر الادارية، وتطوير كفاءات بشرية قادرة على التفاعل مع البنيات الجديدة. كما ان تعزيز الشفافية وربط المواطن بمراكز القرار يشكل بدوره احد المرتكزات غير الملموسة للذكاء الحضري.
وسط هذه التحولات، تطرح اسئلة حول مدى قدرة طنجة على ضمان استدامة هذه المشاريع، خاصة في ظل التحديات المالية والهيكلية التي تعرفها العديد من المدن المغربية. الا ان المؤشرات الراهنة تظهر ان المدينة تمتلك قاعدة انطلاق صلبة، تجمع بين الموقع الاستراتيجي، الدينامية الصناعية، والرؤية المتدرجة في الانتقال نحو التحول الرقمي.