هكذا يبيع سياسيو تطوان وهم مدينة ترفيهية بمدينة أنهكها إغلاق باب سبتة

في سياق مشحون بالتوترات الاجتماعية والانتظارات الاقتصادية، وجدت مدينة تطوان نفسها مجددا أمام مشروع استثماري ضخم يُسوق له على الورق: “مدينة ترفيهية كبرى” على سهل وادي مرتيل، بمساحة تناهز 53 هكتارًا وبغلاف مالي معلن يبلغ 5 مليارات درهم.

وبينما تم الترويج للمشروع كإحدى أكبر المبادرات التنموية في الجهة، تكشف المعطيات الدقيقة غياب أي أسس تعاقدية أو قانونية تؤطره، مما يثير شبهات حول خلفيات هذا الترويج وتوقيته السياسي.

وحسب ما اطلع عليه “الشمال نيوز”، فإن المشروع الذي جرى تقديمه كمحفز اقتصادي واعد يوفر 10,000 فرصة شغل ويتضمن مرافق ثقافية وسياحية متقدمة، لا يتجاوز في الواقع مرحلة التصور، دون مصادقة أو إدراج رسمي ضمن البرامج الترابية أو التصاميم المديرية للتهيئة العمرانية.

كما أن الشركة الخاصة المشار إليها كمشرف مفترض على التنفيذ، لا تربطها أية علاقة تعاقدية موثقة مع جماعة تطوان أو مع شركة تهيئة سهل وادي مرتيل، وهي الجهة العمومية المكلفة بالإشراف على الأشغال الكبرى بالمنطقة.

ويخضع المجال الترابي المستهدف منذ سنوات لبرنامج تهيئة معقد تموله الدولة بشراكات متعددة، يضم أشغال تثبيت الضفتين، حماية من الفيضانات، إنشاء محاور طرقية وقناطر، وتأهيل عمراني في إطار رؤية ترابية متكاملة.

غير أن هذا الورش، بحسب مصادر تقنية، لا يزال يواجه عراقيل ترتبط بتعبئة التمويلات، استكمال مساطر نزع الملكية، وإعادة إيواء الساكنة المتضررة، مما يجعل الإعلان عن مشاريع تكميلية بهذا الحجم أمرا مستبعدا في الظرفية الراهنة.

والأكثر إثارة، أن تسويق هذا المشروع تم عبر قنوات غير رسمية، سواء من خلال تصريحات شفهية أو منشورات في بعض المنابر الإعلامية المحلية، دون أن يصدر أي بلاغ عن المجلس الجماعي، أو أن تُدرج نقطة خاصة به في دوراته، ما يعزز فرضية استغلاله كورقة انتخابية سابقة لأوانها.

ويشير متابعون إلى أن هذا الترويج يصب في صالح فاعلين سياسيين محليين محسوبين على حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يرأس جماعة تطوان من خلال مصطفى البكوري، في وقت بدأت فيه ملامح الاستعدادات المبكرة لانتخابات 2026 و2027 تظهر بوضوح.

وفي المقابل، استغرب مهنيون في مجالات التخطيط العمراني والاقتصاد المحلي من التسرع في تقديم المشروع للرأي العام دون أي إحالة على دراسات الجدوى، أو الوثائق التقنية، أو جدولة زمنية مفترضة.

وأكدت مصادر متطابقة أن المنطقة المستهدفة تفتقر حاليا للبنية التحتية الضرورية لاحتضان مرافق من الحجم الذي تم الحديث عنه، ناهيك عن غياب أي أثر لتصميم تنفيذي أو اتفاقية استثمار واضحة.

ويتقاطع هذا الإعلان مع واقع اجتماعي متأزم تعيشه تطوان منذ إغلاق معبر باب سبتة، حيث فشلت البرامج البديلة إلى حدود الساعة في استيعاب تداعيات هذا الإغلاق على الأنشطة الاقتصادية، لا سيما في القطاعات غير المهيكلة، وهو ما يجعل الساكنة في موقع هش، سريع التفاعل مع أي إعلان يحمل طابع الأمل، ولو كان بدون مضمون تنفيذي.

ويحذر فاعلون مدنيون من أن استمرار ترويج مشاريع غير قابلة للتنزيل، دون وضوح مؤسساتي أو تعاقدي، يكرس حالة من انعدام الثقة في الخطاب العمومي، ويؤدي إلى تآكل المصداقية السياسية للمنتخبين، خاصة عندما يتم تسويق هذه المشاريع تحت غطاء تنموي فيما هي في عمقها أدوات للتسويق الانتخابي.

وفي غياب أي موقف رسمي من جماعة تطوان، أو من السلطات الترابية والقطاعات الحكومية المعنية، يبقى مشروع المدينة الترفيهية على سهل وادي مرتيل مثالا صارخا على مفارقة المشاريع الكبرى التي تُعلن دون أن تُؤطر، وتُسوّق دون أن تُبرمج، في منطقة لا تزال تنتظر تنمية حقيقية تتجاوز منطق الشعارات الظرفية.

وتطرح هذه الواقعة تساؤلات جوهرية حول ضرورة وضع ضوابط مؤسساتية للترويج للمشاريع العمومية، تضمن الشفافية، وتلزم الفاعلين بتقديم معطيات دقيقة ومضبوطة، وتحمي الرأي العام من الوقوع ضحية تلاعبات ظرفية تقودها اعتبارات خارج منطق التنمية.

لا توجد تعليقات