إسقاط تصميم تهيئة وزان يعيد إلى الواجهة تأثير الحسابات السياسية في قرارات التعمير

لا تبدو واقعة إسقاط تصميم التهيئة لمدينة وزان مجرد إجراء إداري تقني، بقدر ما تعكس ملامح مشهد أكثر تعقيدا، تتداخل فيه اعتبارات التعمير بالحسابات السياسية، حيث تتحول وثائق التخطيط العمراني من أدوات تنظيم مجالي إلى أوراق تفاوض أو رسائل ضغط توجهها مراكز القرار نحو الجماعات الترابية.

وأعاد قرار وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، فاطمة الزهراء المنصوري، بإعادة وثيقة تصميم التهيئة بوزان إلى نقطة الصفر، بعد استكمال مسارها على المستوى المحلي، طرح أسئلة قديمة-جديدة حول حدود السلطة المركزية في تدبير ملفات التعمير، ومدى استقلال هذه القرارات عن السياق السياسي المحيط بها.

وأثارت الحالة المثارة الانتباه لعدة اعتبارات؛ فمن جهة، تسير جماعة وزان من طرف حزب التجمع الوطني للأحرار، بشراكة مع حزب الاستقلال اضافة الى الاتحاد الاشتراكي، بينما يتخذ حزب الأصالة والمعاصرة موقع المعارضة داخل المجلس الجماعي.

ومن جهة أخرى، تتولى وزارة التعمير وزيرة تنتمي إلى هذا الحزب الأخير، ما يضع القرار في قلب تقاطع بين الهياكل الحزبية والمواقع التدبيرية، دون أن يعني ذلك بالضرورة وجود إرادة مباشرة لتصفية الحسابات.

وفيما برّرت الوزارة قرارها بوجود “توسع غير مبرر” في نطاق التعمير، يؤكد منتخبون محليون أن النسبة المعنية لا تتجاوز 25%، وهي في نظرهم مبررة بحاجات واقعية مرتبطة بالتوسع الحضري وتطلعات الاستثمار، معربين عن استغرابهم من إلغاء اجتماع اللجنة المركزية دون تعليل واضح.

وبعيدا عن الجدل التقني، يسلّط هذا النوع من القرارات الضوء على ما يعتبره مراقبون خللا هيكليا في علاقة المؤسسات الحكومية بالفاعلين الترابيبن، حيث ما تزال السلطة الوزارية قادرة على نسف مسارات استُنفدت فيها مجهودات محلية، بناء على ملاحظات يمكن أن تُقرأ – في بعض الحالات – من زاوية سياسية بحتة، خاصة عندما تتزامن مع توتر في التموقعات الحزبية محلياً.

وتزداد المفارقة حدّة عند مقارنة حالة وزان بحالات أخرى، كما في مدينة طنجة مثلا، التي تعرف بدورها جدلا واسعا حول تصاميم التهيئة، دون أن يصل الأمر إلى إسقاط المشروع أو إعادته من الصفر. وهي مدينة تُدبّر من طرف نفس الحزب الذي تتبع له الوزارة، ومع ذلك يُسجل اختلاف واضح في طريقة التعامل مع الملف.

واذا كان هذا لا يعني بالضرورة وجود توجيه حزبي للقرار الإداري، لكن تنامي هذا النوع من التفاوتات يعزز الإحساس بأن الوثائق التعميرية لم تعد تخضع فقط لمنطق التخطيط المجالي، بل صارت تتأثر بموازين القوى، وتُوظف أحياناً كآلية لإعادة ضبط العلاقة بين المركز والجماعات، أو حتى داخل الأغلبية الحكومية نفسها.

وفي غياب معايير موحدة، شفافة، ومؤسساتية، قد يتحول التعمير من رافعة للتنمية إلى أداة تفاوض صامتة، يتضرر منها الاستثمار، ويتأثر بها المجال الترابي، وتدفع كلفتها الساكنة المحلية في شكل تأجيلات، غموض، وهشاشة في الرؤية الحضرية.

لا توجد تعليقات