الشمال نيوز من شفشاون
في مدينة اشتهرت بجدرانها الزرقاء وأزقتها الضيقة التي تجذب آلاف الزوار سنويا، برزت خلال السنوات الاخيرة ملامح ثقافية جديدة تترسخ بهدوء، من بينها المطبخ الصيني الذي بدأ يحجز مكانا له في قلب المدينة.
ففي شوارع بعيدة عن المسارات السياحية التقليدية، وخصوصا في الأحياء المحيطة بمركز المدينة، افتتحت مطاعم صغيرة تقدم أطباقا آسيوية، وجدت صدى طيبا لدى الزبائن المغاربة والأجانب على حد سواء.
ولم يأت هذا التحول من فراغ. فالمغرب شهد خلال سنة 2024 ارتفاعا كبيرا في عدد السياح القادمين من الصين، بنسبة ناهزت 87 في المئة مقارنة بالسنة التي قبلها، ليتجاوز عددهم 106 آلاف سائح.
وبالرغم من أن مدن كبرى مثل مراكش والدار البيضاء تشكل الوجهة الاولى لهؤلاء الزوار، الا أن شفشاون تحولت إلى محطة مفضلة ضمن مساراتهم، بفضل طابعها المعماري الفريد وأجوائها الهادئة.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن المدينة تستقبل حوالي 2500 سائح صيني شهريا، ما شجع على ظهور منشآت مطعمة تستجيب لأذواقهم.
لكن اللافت أن هذه المطاعم لم تقتصر على الزبائن الصينيين فقط، حيث أصبح عدد كبير من المغاربة، سواء من سكان المدينة أو الزوار القادمين من مدن أخرى، يقبلون على هذا النوع من الطعام، بدافع الفضول أو الرغبة في كسر الروتين االغذائي.
“سبق لي أن تناولت وجبة في أحد المطاعم الصينية هنا، وكانت لذيذة بشكل غير متوقع” يقول زائر مغربي جاء من طنجة، مضيفا: “الجميل أيضا أن العاملين في المطعم شباب مغاربة، مما يجعل الأجواء مريحة ومألوفة”
تشغيل هذه المطاعم لا يتم عبر استقدام يد عاملة أجنبية، بل يعتمد بشكل واضح على أبناء المنطقة. ففي معظم هذه المنشآت، يلاحظ الزبائن أن النادلات والنادلين يتحدثون الدارجة بطلاقة، ويتقنون قدرا كافيا من اللغة الانجليزية أو الفرنسية للتواصل مع الزبائن غير الناطقين بالعربية.
“عندما دخلت المطعم للمرة الأولى، فوجئت بأن النادلة ترتدي زيا جبليا تقليديا، وتخاطب زبونا صينيا بلغة انجليزية بسيطة”، يروي أحد الزوار، مضيفا أن هذا المزج بين المحلية والانفتاح الثقافي يضفي طابعا خاصا على التجربة.
أما التسيير، فيبقى في الغالب بين أيدي مستثمرين صينيين يقيمون في المدينة، يتولون بأنفسهم الاشراف على المطبخ ومراقبة جودة التحضير.
وتُقدم في هذه المطاعم أطباق معروفة مثل الأرز المقلي، الزلابية بالبخار، الدجاج الحلو والحامض، وأصناف النودلز، مع تعديل الوصفات أحيانا لتناسب المكونات المتوفرة في السوق المحلية.
ولم يمر هذا التوسع دون أن يلفت انتباه الفاعلين في المجال السياحي. فالمشرفون على دور الضيافة ووكالات الأسفار أصبحوا يشيرون إلى هذه المطاعم ضمن توصياتهم للزوار، خصوصا من آسيا، فيما يرى البعض أن هذا التنوع الثقافي يمثل فرصة لتنشيط الدورة الاقتصادية في المدينة، بعيدا عن الأنماط التقليدية.
وتجدر الاشارة إلى أن مدينة شفشاون كانت قد احتضنت سنة 2019 احتفالا خاصا برأس السنة الصينية، نظّمته السفارة الصينية في المغرب، وتم خلاله تعليق أكثر من 1500 فانوس في شوارع المدينة، في مبادرة رمزية عززت روابط الصداقة والتقارب بين الثقافتين المغربية والصينية.
غير أن هذا الحضور المتزايد للمطبخ الآسيوي لا يلقى ترحيبا كاملا من الجميع. فبعض السكان يرون أن المدينة تخاطر بفقدان هويتها الغذائية، خصوصا مع تراجع عدد المطاعم التي تقدم مأكولات محلية خالصة. لكن آخرين يعتبرون أن التنوع لا يتعارض مع الأصالة، بل يمنح المدينة القدرة على التكيف مع موجات السياحة العالمية.
في المحصلة، تبدو شفشاون اليوم كمختبر حي لاحتكاك ثقافي هادئ، تتعايش فيه الزرقة الأندلسية مع نكهات الصويا، وتجد فيه النادلة الجبلية نفسها جسر تواصل بين عالمين مختلفين. وبين مطبخ صيني يعمل بصمت، ومدينة تتنفس الماضي في كل زقاق، يولد مشهد جديد لا يشبه إلا نفسه.